..
.
محسوبكم
– يعني أنا – كما تعرفوني , وأعاهدكم إذا انتخبتموني أن لا يكون لي
دخل بالسياسة ولا الرياسة .
طول
عمري هيك .
وكذلك
ليس لي بالفن والفلمن .
بس
الظاهر أنه كان إلي وأنا آخر من يعلم .
من
شوي عم بحبش باليوتيوب عن شغلات انقرضت وعفا عليها الزمن فقادتني حشريتي الى
الأقسام الفنية والطربية , ليطالعني كليب عن أغنية مسلسل اسمو العشق الممنوع .
لا
تثير اهتمامي هذه الأوابد فأردت الأنتقال , واذا بالكبسة بتجي بنص الكليب , وبلشت
الغنية .
لك
شو هاد !!؟
عشرات
, بل مئات الذكريات والأحاسيس أتتني دفعة واحدة .
تذكرت
الأغنية ومطربتها التركية " آجدا بيكان " كما لو كان الموضوع بالأمس .
أبحرت
بي ذكرياتي إلى ذلك اليوم الذي سدت به السبل أمامي فقررت الهروب إلى السويد
بناء على اقتراح صديقي جمال .
كانت
خطة جمال بسيطة : نهرب إلى السويد , وعندما نصل نمزق جوازات سفرنا ونطلب من
السلطات اللجوء الإنساني .
- شو
عم تحكي لك أجدب .
- والله
, فيه لجوء للمكحكحين اسمه لجوء انساني , بس لازم تمزق جواز السفر قدامهم ليعطوك
هاد اللجوء .
- شو
نمزق ما نمزق , والله لنهتري دواليب هنيك ونترحم ع مفيد سعيد وآصف محلا .
- لعما
شو أجدب , بالسويد فيه دواليب يا كر!! .. الدولاب اختراع وطني بامتياز , وعند حدود
كسب بيبطل حدا يعرف شو هوه .
الخطة
بسيطة كما قلت , فيزا لتركيا من القنصلية بحلب , والباصات رايحة جاية من حلب
لأنطاكية عبر باب الهوى , ومن انطاكية إلى اسطنبول كل ربع ساعة فيه هوب هوب .
وبعد
أن نصل إلى عاصمة الدولة العثمانية العلية بيحلها المولى وبتدبر لحالها .
كيف
بدها تتدبر وايمتين ؟؟ الله أعلم .
بلا
طول سيرة , بعد رحلة سندبادية عرمرمية استغرقت ما يزيد على العشرين ساعة وصلنا
منطقة الطوب كابي بأسطنبول , أفهمنا معاون الباص ذو الأصول الانطاكية أن
علينا أن نقضي ليلتنا قي منطقة أك سراي أو بيازيد الملاصقة لها حيث يمكن ايجاد
فنادق رخيصة على الدوام هناك .
أخذنا
حقائبنا الهزيلة وانطلقنا للبيازيد حيث وجدنا فندقاً يلائم ميزانيتنا المتواضعة ,
فبتنا هناك ليلة هانئة شابها بعض الشي عقصات البرغش والبراغيث وبعض القمل .
وفي
اليوم التالي انطلقنا لمقهى ملاصق لسوق القبالي تشارشي الشهير , حيث يتواجد الكثير
من اللصوص وبائعي الحشيشة والدولارات المزورة و .. مهربي البشر , وهذا الصنف
الأخير من المجرمين كان بغيتنا .
التقينا
هناك بشعبان الفلسطيني " الاسم حقيقي " .. كان شعبان رجل أعمال ومهرب
ولص وتاجر ممنوعات قرر التوبة قبل وصولنا بساعة مختصراً نشاطاته بتجارة البشر .
أفهمنا
أنه يستطيع شحننا إلى السويد أو أي بلد أوربي آخر خلال أقل من أسبوع , وأن هذا
سيكلف كل منا مبلغ 3000 مارك ألماني بالتمام والكمال , ثم ألقى علينا محاضرة
بالوطنية عن مقاطعته للدولار الأمريكي لأن أمريكا هي الداعم الأول لإسرائيل .
أَسَرَتْنا
وطنيته وكراهيته لقاذورات وأدران الامبريالية وصنيعتها الصهيونية , وحبه العارم
لمساعدة أبناء جلدته من العرب .
توطدت
علاقته بنا خلال اليومين التاليين , فبعد أن عرف مكان سكننا صار يأتينا وأصدقائه
إلى الفندق ليفطروا ويتغدوا ويتعشوا على حسابنا .
مر
أسبوع , ويبدو أن الزلمة أحس بأنه من الضروري أن يرد لنا العزيمة فدعانا إلى
كازينو في منطقة صاري يير الواقعة عند جسر البوسفور وساوى لنا عزيمة مطنطنة .
حضر
العزيمة – بالاضافة لنا – كل شلته من العواطلية باستثناء أديب .
أديب
شاب غزاوي من شلة رجل الأعمال المحسن شعبان .
جسمه
رياضي قوي البينه كما أنه كان مثقفاً لا مثيل له , يستعمل الكثير من المفردات
الغريبة التي تدل على مقدار ثقافته بمنتهى السلاسة .
كلمات
من شاكلة " ديماغوجية – شوفينية – كولونيالية – غلاسنوست " بتطلع
من بقه زي العسل , ولذا كانت قعدتنا العربية في الكازينو الاسطنبولي ناقصة لغياب
هذه المفردات .
عدنا
إلى الفندق آخر الليل لنكتشف أن ثروتي الصغيرة البالغة 1650 دولار أمريكي
والموضوعة داخل جواز سفري قد سرقت .
الجميل
أن جواز السفر لم يسرق , والأجمل أن اللص الظريف قد وضع مبلغ 50 مارك كمصروف جيب
مكان الدولارات التي سرقها .
الشيء
نفسه حصل مع جمال أيضاً , إلا أن اللص الظريف وضع له 100 مارك " بوكيت موني
" أي ضعف مبلغي مما دفعني للأحتجاج , خصوصاً وان المبلغ المسروق من جمال لم يتعد
الألف وخمسمية دولار .
أنّى
لنا أن نعرف أن العزيمة الشعبولية – الفخ كانت مجرد إبعاد لنا عن الفندق كي يتثنى
للمثقف الماركسي أديب تفريغ جيوبنا على بارد المستريح .
كانت
ليلة ليلاء لا أتمناها لأحد , بس المثل الذي يقول : ربك ما بيقطع بحدا صحيح .
كنا
نراوح الخطى بين البيازيد وأك سراي عندما التقينا بمحمود .
محمود
فلسطيني كذلك , عرف بقصتنا وما فعله ابن جلدته بنا , أرغى وأزبد وشتم ثم سألنا
مالذي سنفعله , وعندما اكتشف انعدام حيلتنا عرض علينا السكن في بيته ريثما نتدبر
أمورنا .
خشينا
في البداية أن يكون هدفه سرقة جوازات سفرنا , ثم قلنا لأنفسنا : أكتر من القرد ما
مسخه ربه , فتوكلنا على الله وركبنا الضولموش منطلقين إلى بيته الواقع في حي شيرين
إيفلر على أطراف اسطنبول الغربية .
كان
المنزل يقع في الطابق التاسع من بناية حديثة , البيت كبير وشرح برح فهو مكون من
أربع غرف نوم وحمامين وصالون واسع جداً جداً .
يسكن
في البيت ما لا يقل عن عشرة طلاب , لا أحد يدري من الذي يدفع الإيجار وكيف , ثم
علمنا أن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هي من يدفع .
كان
الشباب جميعاً من الجبهة , والبيت المجاور - وهو بنفس المساحة والاكتظاظ - تابع للحبهة
الشعبية , والبيت الذي في الطابق الأسفل لفتح أما في البناء المجاور المنبوذ من
الجميع فيقبع سكن يعود لتنظيم " أبو نضال " .
كانت
منظمة التحرير الفلسطينية بكامل فصائلها تسكن في الشيرين ايفلر .
رئيس
الطابق وشيخ المناضلين كان الكهل حسن .
حسن
هو الوحيد المتفرغ للعمل السياسي الفلسطيني أما الباقون فكانوا طلاباً متحزبين ,
وكان بالتالي صاحب الكلمة المسموعة في أي أمر .
تداول
في شأننا مع محمود ثم قام بتحقيق دقيق معنا , وبعد أن تأكد له أننا لسنا عملاء
الموساد سمح لنا بالبقاء إلى أن يأذن الله أمراً كان مفعولا .
..
بقينا
ستة أشهر في ضيافة الشباب لم ننفق فيها قرشاً واحداً .. حتى دخان الصمصون "
دخان تركي معادل للحمراء القصيرة " كان يقدم لنا كما يقدم لباقي المناضلين .
تعلمنا
من اللغة التركية خلال تلك الفترة مفردات الحياة اليومية ببراعة .
..
في
تلك الفينة كانت شقراء جميلة تزور حسن من حين لآخر, قالوا لنا أنها فنانة تركية
مشهورة اسمها " آجدا بيكان " .
كانت
آجدا لطيفة معي , وفي يوم رأس السنة زارتنا وقالت أن لديها وصلة غنائية
في التلفزيون ليلاً بمناسبة رأس السنة الجديدة , وأنها ستأتي لتمضي السهرة معنا
بعد أن تنهي وصلتها متوقعة أن تجد التبولة والكبة النية التي نبرع بها نحن
اللبنانيون .
لقد
قدَّمَنا حسن لها منذ المرة الأولى كلبنانيين , لم يكن الفلسطينيون من سكان الأردن
والضفة والقطاع قادرين على التمييز كثيراً بين اللهجة السورية واللبنانية , فنحن
جميعاً بالنسبة لهم لبنانيون , ولما كان جميع اللبنانيين طبيخة فقد توقعت آجدا -وتوقع معها المناضلون - أشهى المقبلاوت والمازاوات الزحلاوية من تحت أيدينا .
سألني
جمال إن كنت أجيد شيئاً مما طلبوه , فأجبت بالنفي ولكن علينا الاجتهاد وأن لا نخيب
ظنهم بنا مقترحاً إضافة الرز بحليب على المينيو تبع الأكل .
وافقني
. وبعيد العصر بدأنا بتجهيز المائدة العامرة .
بدأنا
بالتبولة : باقة بقدونس وليمونة حامضة وقرص بندورة وبعض الملح و ..... كيلو غرام
من البرغل الخشن .
انتقلنا
للكبة النية : كيلو برغل تم طحنها مع كيلو لحمة وكيلو بصل يابس , إختلفنا عما إذا
كان يوضع لها الفجل !! فقررنا الإكتفاء بنصف كيلو منه في خلطة الكبة .
الأجمل
كان : الرز بحليب والفتوش ..
تكوّن
الرز بحليب تبعنا من لتر حليب غنم مع كيلو رز قصير وكيلو سكر .
أما
الفتوش فكان ببساطة : خسة وكيلو بندورة وكيلو بصل وكيلو خيار وكيلو فجل وباقة
بقدونس ومثلها من النعنع , ثم أضفنا ربطة من الخبز المقمر للطبخة .
لم
يشأ الشباب أن يكسروا بخاطرنا , فأبدوا استحسانهم للمائدة الشهية والذوق اللبناني
الرفيع بتحضير الطعام , أما آجدا التي غنت حينها للمرة الأولى أغنيتها الشهيرة " العشق الممنوع " وجاءت إلى بيتنا بعد أن تجاوزت الساعة الثانية
صباحاً وهي سكرانة طينة – وكان هذا لحسن حظي - فقد استحسنت هي كذلك طبيخ
محسوبكم جعيص وشريكه .
..
بقينا
في اسطنبول ستة أشهر كتنابلة السلطان .
أكل
ومرعى وقلة صنعه , وكان ختامها مسك .
فقد
نجح مناضلو حسن أخيراً بإلقاء القبض على شعبان وعصابته وأحضروه موجوداً مع
أديب إلى الشيرين إيفلر حيث حققوا معهما بطريقة المخابرات السورية وفرع
فلسطين , وأجبروهم على دفع نقودنا ع دوز بارة .
دفع
شعبان وهو يحتج مطالباً بخصم المية وخمسين مارك التي تركها لنا كي لا نتمقطع ببلاد
الله الواسعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق