05‏/01‏/2013

دوام الحال من المحال



..
أيهم نور الدين , يعني أنا : أحد أكثر الطلاب عبقرية وذكاءً بتاريخ ثانوية محمد سعيد يونس  , وأكثر الشباب وسامةً وقسامةً وجاذبية بتاريخ المدينة منذ أيام جبالا وكابالا .
كانت الأصفار المكعبة تلاحقني بلعنتها في كل حين , فالمدرسون الذين لم يستوعبوا إبداعاتي قط , ولعلها الغيرة التي كانت تأكلهم من تلميذ فاق أساتذته جعلتهم يكيلون لي الأصفار على الدوام بكرم حاتمي يحسدون عليه .
كان ما يحصل لي هو مؤامرة كونية أشبه بالمؤامرة الكونية الحاصلة على سورية اليوم , حتى حمد الصغير كان موجوداً ,  فنائب المدير الذي اختصر بشكله المدعبل كل الحماميد لم يكلّ عن التحريض ضدي متسقطاً عثراتي كما لو كان ثأرٌ ما بيننا .
أما جمالي الأخّاذ , ووسامتي وقسامتي فلم يكن أحد في الكون يراها – للأسف - إلا أنا وأمي .

في خضم تلك الأيام , وفي صباحٍ شتائيٍّ أسود مدلهم بهيم جاءنا أستاذ مقطوع اليد اليمنى , مشلول اليسرى لتدريسنا مادة الفنون كبديل عن الأستاذ جابر صابور المطلوب لمدرستي جهاد وبلال لتدريس الصبايا .
من الواضح أنهم جابوه تنفيعة , ومع ذلك أصر الأستاذ الفاضل على نسيان واجبه المهني بتعليمنا كيف نكون رامبرانت وفان كوخ ورفائيل وأصر على تحويل كل منا إلى الكسائي والمبرد والأصمعي .
تحولت حصة الفنون المسلية إلى درس كئيب باللغة العربية .. قصائد معجمية متخمة بالسفسطة وخالية من الحياة , كان علينا شرحها وإعرابها والاستمتاع بتفاهتها , لا لشيء , الا لأن الأستاذ بذوقه الشعري المأنتك يحفظها .
لا داعي للقول أن إعراب الأستاذ الفاضل للقصائد بيبكي الحجر .. فالفاعل يصبح بقدرة قادر مفعولاً به أو فيه ولأجله , والمبتدأ فعل مضارع و .. رقصني يا جدع .
في إحدى المرات كان علينا إعراب جملة : وقال أبي .... الخ  إعراب مفردات .
عمران , المجتهد والضليع باللغة في مقاييسنا عربها فعل ماض .
نظر الأستاذ بسماحة وأبوة واستصغار لهذا العمران الحمار .. هز برأسه هز الواثق العارف قائلاً : مهلاً يا بني , ( قال ) حال منصوب بالفتحة , لا ألومك , فالكثير يخطئ بها حتى الأساتذة .
لم يقتنع عمران بهذا الجواب وأصر على الدخول بنقاش بيزنطي ممل عن أصول وقواعد الإعراب ,  ونحن نهمس به : لفا ومشيها هلئ , هوه نحن ناقصينك أنت كمان .
الأستاذ السريع الغضب لم يلبث أن إنفجر كبركان في وجه عمران : وّلَك هنت  بدك تضل الحمار الوحيد بالصف , آبدك تفهم , ليك رفقاتك كلن لقطوها ع الطاير وآفي غيرك دقر .
غمغم عمران بشيء لم يسمعه الأستاذ المفخخ بسبب غباء وحيونة هذا الطالب , لكنه كان كافياً لينفجر .
إنقض عليه وبدأ يجلده بيده الشلّاء .
كانت اليد المشلولة تدولب عمران أحسن من أي كبل رباعي بالبلد . 
ولك , هنت كر , منقلك ( قال ) حال , بدك تطلع بوشي قدام الكل , متستجحشني يعني " ثم يعيد إقامة حد الجلد عليه من جديد " ... ولك حال .. شو حاله هوه ؟؟ .. ميقول .. حاله ميقول , يعني حال .
رن الجرس إيذاناً بانتهاء الحصة ولم ينته الأستاذ من إقامة الحد على عمران الذي بدأ بالتورم .
..
عمران الذي شعر بكل القهر والظلم حملها باردة سخنة للموجه .. كان الأستاذ فوزي حاضراً , الأستاذ فوزي هو مدرس اللغة العربية البارع .
امتعض من تدخل مدرس الفنون بحصته , وامتعض أكثر من تعليم الطلاب مفاهيم مغلوطة .
ضغطت الإدارة على الأستاذ الفنان ليدخل الصف ويعتذر عن إعراب قال كحال .. الأستاذ فوزي هو الذي أصر على هذا لأن بعض الطلاب قد لا يصدقون الأستاذ فوزي ويعتمدون إعراب أستاذ الفنون .
..
في حصة الكيمياء دخل الأستاذ فوزي وأستاذ الفنون إلينا متعانقين وورائهما الموجه واستأذنوا من مدرس الكيمياء الذي ارتبك من قدوم الهيئة التدريسية لحصته دون مقدمات .
قال الأستاذ فوزي : أستاذ التربية الفنية يا شباب بيحب يقول شغلة مهمة .
تنحنح أستاذ الفنون , وصمت للحظة قبل أن يبادر بالقول : إتفقت أنا وزميلي الأستاذ فوزي على أنو " قال " ( فعل ماضي ) , لا حدا يعربها " حال " بزعل منه ها .
..
أحد الطلاب الظرفاء قال معقباً بعد خروجهم :
إنبسطوا يا جماعة , اتفق سيبويه والأصمعي على انو ( قال ) فعل ماضي .
....
في حصة الفنون التالية , كتبنا على اللوح :
(( حكمة اليوم : " دوام الحال من المحال " ))
..
شو رأيه بشار الأسد بـ "حكمة اليوم " يا جماعة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق