05‏/01‏/2013

أيام جبلاوية منسية – حكاية هرئال


..
كانت جدتي تقص علينا الآف الحكايات عن جرار الذهب المرصود الموجود في جب الطاحون الذي يحرسه ملك الجان اليهودي هرئال المقيم في مغارة السبع أبواب ويشمل بحمايتة كل المنطقة الواقعة بين مينة ( ميناء ) السليك شمالاً وصخرة الرملة جنوباً .
..
كان هرئال في الليالي المظلمة الباردة , عندما يكون البحر عاصفاً يجلس على كرسيه الملكي (( كرسي الملك )) الواقع تقريباً تحت مقهى الزوزو محدقاً بالبحر و هو 
ينظر للبعيد .
..
أقسم البعض أنه شاهده مراراً في ليالي الشتاء الطويلة المظلمة وهو متربع بكل جلال على عرشه الصخري , لكنني شخصياً لم أره الا مرة واحدة .
تلك المرة اليتيمة التي لمحته بها كانت أيام المربعانية العائدة لشتاء عام 1991 القاسي .
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشر بقليل , وجبلة برمتها مطفأة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بسبب العاصفة , لا أدري ما الذي دفعني لتلك المنطقة في ذلك الوقت المتأخر و في هذا الجو العاصف , لكنني أذكر جيداً كيف لمحت خياله في الظلمة جالساً على عرشه يدخن سيجاره وهو يحمل قصبة قصيرة غليظة يصطاد بها الأسماك في هذا الجو , أستندت على درابزون الكورنيش وقد جف الريق بحلقي بينما كانت الريح تسفع وجهي ..
كان الرعب والفضول يسكناني .. بفيت أراقبه وأنا أرتعش برداً و أخشى أن يتلفت فيراني .
لا أدرى كم أمضيت من وقت وعشرات الآحاسيس الممزوجة بالرعب تغطيني .. هل أنزل إليه وأحدثه عن ذهبه القاروني وأطلب منه بكل براءة أن يهبني منه ولو جرة أو جرتين .... . ماذا لو كان شريراً وتلبسني .
في هذا الأثناء كان هرئال قد بدأ بلف قصبته ليستدير بهدوء نحو صخور الشاطئ تحتي ويغيب تحت جناح ظلمتها غير مبال بالأمواج التي تعصف , فيغطيه رذاذها بين الفينة والفينة .
أخذت ألوم نفسي على جبني .. ها هو قد رحل , وها أنا قد أضعت فرصة ذهبية للثراء ..
كنت في مد وجذب داخليان فلم أنتبه إلى هرئال وهو يُفرع من أحدى الفجوات الصخرية المتناثرة بين القبور الفينيقية التي يعج بها ساحل جبلة .
أصابتني الجمدة وأنا أراه متجهاً نحوي فلم أقوَ على الفرار حتى عندما أصبح بجانبي و رائحة ملوحة الماء الممتزجة بزناخة السمك تفوح منه ....
بادرني بالحديث : لك أيهم شو عم تساوي هون بهالوقت .. خير ؟؟!!.. صاير معك شي ؟؟
............
بقيت لوهلة جامداً قبل أن أدرك أن الملك هرئال الذي يحدثني بكل محبة هو جارنا المرحوم عدنان حوا الذي لم يكن يحلو له صيد الحفش الا بهذا الجو القاسي .
..
فيما بعد أصبح الحاج عدنان القيم الوحيد على جبانة المدينة .. كنت أتحاشى على الدوام المرور أمام بابها الرئيس ليلاً حيث يجلس على كرسيه مع كوب الشاي لأنني بكل بساطة لم أعد أرَ فيه منذ تلك الليلة التاريخية غير الملك هرئال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق