05‏/01‏/2013

الله ينور عليك بقبرك ياللي ببالي :



..
قبل أكثر من عشرين عام كانت الكهرباء في سورية تشبه إلى حد كبير الوضع الحالي .. كانت المؤامرات حينها – كما هى الآن - لا تنقطع عن هذا البلد الصامد الممانع .
لم يكن المندسون حينها موجودين , وربما لم يكن معظمهم قد ولد بعد , ومع ذلك كانت الكهرباء تنقطع على الدوام , فالرعد والبرق والمطر والصحو والشمس والبرد والحر والهريسة وسيلان العيد والمشبك وجدي القوزلّة ::  كلها مجرد خيوط رفيعة في مؤامرة أشمل , كانت تحاك لسورية منذ زواج أنيسة وربما قبله بشهرين على الأقل .
كان أبو صطيف جالساً في مقهى النورس على الكورنيش ويشتم – كعادته – الأسد الأب كلما أزعجه أحد ما  أو طنشه ولم يحضر له فنجان قهوة .
سيارة الأمن العسكري التي كانت تجوب الكورنيش , ونشف ريق عناصرها فأرادوا الصلبطة على كام كزوزة من المقهى
سمعوه , ويا ليتهم ما سمعوه .
كانت التعليمات المشددة للعناصر تتعلق بالسماح لأحمد ( ن ) بالسباب دون حساب , أما أبو صطيف الذي لم يكن على رأسه ريشه لغاية تاريخ الحادثة فقد شد به العناصر وأخذوه موجوداً إلى فرع الأمن العسكري باللاذقية .
 من الواضح أن خطورة ما تفوه به على أمن الوطن جعلتهم يتجاوزون الروتين المعتاد بتحجيجه للمفرزة القابعة عند البريد أولاً .
كانت أجهزة اللاسلكي في الفرع تتابع مجريات القبض المظفر على العميل المأجور ( أبو صطيف ) .
 حتى العميد سليمان رئيس الفرع كان يتواصل مع عناصر الدورية كل خمس دقائق .
باختصار : كان الفرع " وربما شعبة المخابرات بدمشق " يتابعان أولاً بأول رحلة السيارة من جبلة إلى اللاذقية وهى تحمل أخطر أعداء الأسد الأب منذ حركته التصحيحية المباركة .
كان العقيد محمد زريقه المنقول حديثاً من جبلة إلى الفرع كنائب لسليمان العبد الله , يعرف – كجميع أهالي جبلة -  أبو صطيف جيداً , ما أن رآه حتى صرخ بالعناصر : الله لا يعطيكون العافيه ع هالعلقة , ما بتعرفوا تجيبوا غير المجانين , لسه قصة أحمد ( ن ) ما خلصنا منها منيح لتنتعولي هاد , ثم نظر إلى العميد سليمان متابعاً : سيدي هاد مجنون معروف بجبلة , يا محلا أحمد جنبه .
لم يصدق العميد سليمان تماماً , فشكل الرجل يوحي بالعقل والنقل والرزانة والهدوء .
هز العميد كتفيه واستدار قائلاً : أحضروه إلى مكتبي .
..
تولى العقيد زريقة استنطاق المتهم في غرفة رئيس الفرع الفخمة :
-          يا أبو صطيف بتعرف وين أنت هلق .
-          بالششمة .
-          لا يا أبو صطيف ما حلو هالحكي , أنت بمديرية الكهربا " واشار بيده إلى العميد سليمان " : هاد السيد مدير الكهربا شخصياً .
-          تلحسوا طيـ......*ي أنتو وهالكهربا اللي بتضل مقطوعة , ع شو قعدتكون هون , روحوا انقلعوا ع بيوتكون وريحّوا هالبشر .
نظر العقيد زريقة للعميد سليمان : شفت أنه ع قده يا سيدي .
-          لك شو ع قده , بشرفي فيه عقل أكتر من العناصر اللي جابوه .
..
إثرها نعمت جبلة بحماية الرفيق ( أبو صطيف ) عند غياب الرفيق أحمد لأي سبب .
لم يعد أحد يقول له : محلا الكحل بعينك .. وحتى عندما وقف عند فرن حارتنا لأكثر من ساعة أيام البيعة الأخيرة للأسد الأب , عدت القصة بسلام .
كانت صورة كبيرة للأسد  بابتسامته البلهاء الشهيرة تزين جدار الفرن وتوزع البركات على الزبائن من فوق كوة البيع ... نظر أبو صطيف إليها ملياً ثم صرخ بأعلى صوته :
عم تضحك يا أخو الشرموطة و إلنا ساعة واقفين ع الفرن .
فرغ الفرن من البشر لحظتها , وحصل أبو صطيف على خبزاته بكل بساطه .
..
كانت جدتي – رحمها الله – كغيرها من العجائز البسطاء في جبلة ممن يؤيدون فكر الرفيق ( أبو صطيف ) بضرورة تسريح جميع موظفي مصلحة الكهرباء وكعرهم إلى بيوتهم , تقضي وقتها بقراءة ما حفظته من الذكر الحكيم عند انقطاع الكهرباء , وكانت تختم جزء عم  عشر مرات في القعدة  على الأقل , نظراً للمدد الطويلة التي نبقى بها في الظلام .
كانت كلما جاءت الكهرباء تقول جملتها المعهودة : خيه خيه خيه خيه .. الله ينور عليك بقبرك يا اللي ببالي .
سألتها مرة : مين هاد لك ستي اللي بتدعيله الله ينور عليه بقبره كلما إجت الكهربا .
-          فيه غيره يا ابني , حافظ الأسد .
-          لك الزلمة لسه ما مات , بعدين شو الله ينور عليه بقبره .
-          يا ابني هوه الله ياخده لعنده ويريح هالعالم منه و ستين ينور عليه , بس هوه يفرقنا .
..
أذكر دعاء جدتي كلما أمتعنا الأسد الابن بطلته البهية ... إاااايه , الله يرحمك يا ستي وينور عليك بقبرك ياللي ببالي .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق