05‏/01‏/2013

رجعت حليمة لعادتها القديمة


..
على النت هذه الأيام قصة تنتشر كالنار في الهشيم عن حليمة زوج حاتم الطائي , فبعد فيلم عربي مأنتك ومسلٍ جداً عن إبن حليمة هذه الذي مات , وعن الطبخة التي يزيد سمنها أو ينقص حسب التجليات والحالة النفسية لحليمة خانم مما يجعل طبخها في القمة أحياناً وكأنها الشيف رمزي , أو في الحضيض لتتحول فجأة إلى جعيص الله يعزو .
وطبعاً , في الحالين القصة غير صحيحة ومن وضع بعض العواطلية الذين يستمتعون بأخذ البشر إلى أنهر الفرات والنيل والغانج والمسيسيبي وسيحون وجيحون وإعادتهم أكثر عطشاً مما كانوا قبل الجولة البانورامية 
, خصوصاً وأن صيغة المثل الركيكة أبعد ما تكون عن جزالة وفصاحة وقوة ألفاظ العصر الجاهلي الذي لا تخفى أمثاله عن أحد , مثل : يداك أوكتا وفوك نفخ , لا ماءك أبقيت ولا حرّك أنقيت , بلغ السيل الزبى وغيره من الأمثال المحكمة التي يرجع إليها في مجمع الأمثال للميداني , أو مستطرف الأبشيهي وغيره من الأمهات .
ناهيكم على أنه لم يكن لحاتم الطائي حليلة ولا سبية أسمها حليمة قط , وقد تتبعنا زوجاته في الكتب الصفراء التي أكل عليها الدهر وشرب , وهى الفيصل في هذه الحالات فتبين أن زوجات حاتم هن : ماوية بنت حجر الغسانية وقيل بنت عفرز الغسانية والعالية بنت سوّاس العنزية ( لعلها إحدى جدات السيدة الفاضلة المحسنة ذائعة الصيت سارية السواس )  , وزوجة ثالثة ذكرت في رواية آحاد انفرد بها الشنقيطي عن ابن الاسكافي وهى الشيماء بنت لقيط العُدَسية , وجدها أعز العرب في عصره " زرارة بن عدس " .
فمن هى حليمة هذه التي صرعوا سمانا وهلكونا فيها لكن .
بالتأكيد هى ليست حليمة بولند , ولا حليمة حماتها لجارتي أم وليد الله يعزا , وليست أيضاً حليمة الشاهد التي كانت تبيع بزر شمس محمص عند نزلة البحر قبل نصف قرن مضى من الزمان أو يزيد .
فمن تكون هذه الحليمة إذن ؟؟.
بعد إبحار لا بأس به في عالم الكتب التي أكل الدهر عليها وشرب , وجدنا في هامش كتاب ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي شروحات وتعليقات للناسخ ومن ضمنها قصة مولاتنا حليمة هذه .
القصة ببساطة يا سادة يا كرام أن حليمة هذه هى حليمة الزنارية , بغيٌّ عاشت في القاهرة إبان العصر الأيوبي , وكأن الجند والعمال والفلاحين وصغار الكسبة كانوا يأتونها للفاحشة , ثم تاب الله عليها  فلبست الصوف ونتعت مسبحة أم الميتين وسبعة وتسعين حبة من أجل الورد والأذكار بين قيام الليل ونوافل النهار بعد أن كسرت الطنبور والبربط وآلة النبيذ .
ويبدو أن حلم حليمة وتوبتها وتقاها لم تدم طويلاً , ففي أحد أيام الربيع الجميلة تحرك عرق الدمن في تلك الخضراء فتجمرت وتعطرت وتبخرت ولبست أفخر ثيابها ثم أسفرت وعادت للجلوس إلى المحرومين من شلة جلد عميرة كما كانت تفعل أيام عزها , فقال الناس : رجعت حليمه لعادتا القديمه .
فلا عاد حدا يقلّنا " مدام طائي " كانت كحته , كرمال الله .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق