05‏/01‏/2013

أيهم وسرقة الدجاج

..
  1. ما من مرة يطالعني فيها بوست لعلي جبر يخاطب فيه ( أحفاد سارقي الجيجات ) إلا وأبتسم وتعود بي الذاكرة إلى تلك الأيام الغابرة في مرحلة الشلفنة وبدايات المراهقة .
    كانت أم أيهم في أحد أيام القيظ الشديد قد طبخت حبوبية ...بلبن , إحدى أكثر الأكلات مقتاً لدي , كما كان البراد – كعادته – خاوياً على عروشه فخرجتُ دون أن آكل شيئاً .
    كان أيمن ومحمد يقفون – ككل يوم - عند الحنفية الملاصقة لمحل نصري في السوق منتظرين أحد الجيران المحملين بالأغراض ليقوموا بمساعدته علّه يحن عليهم بنصف ليرة .
    - شو طابخة أمك اليوم ولاه " سألت أيمن "
    - ولا شي .
    - وأنت التاني " أسألُ محمداً "
    - حبوبية بلبن
    - يا ربي ع هالعلقة .
    كانت عصافير بطننا نحن الثلاثة تصوي .
    - وهلئ يا شباب .
    - شو بيعرفني " يرد أحدهم " .
    أخذنا نقتل الوقت بالحديث عن الطعام ليصرخ محمد فجأة :
    - شو رأيكن نتغدى فراريج .
    نظرت إلى أيمن وحال لساني يقول : شو عم يحكي هالمجنون :
    - هوه نحن لاقيين قالب سوركه الأول لحتى نتغدى فراريج .
    - والله يا زلمة , ليك , فيه ع الطريق العام جنب كازية القوجة بيت مهنا , عندون جنينة كبيرة ومليانة جيج .
    - مدجنة يعني ؟
    - لك شو مدجنة , هدول ناس أكابر وشبعانين , والجنينة من القفا مسكرا بمنخل نصه خربان .
    - نسرق يعني .
    - لك شو نسرق , هدول الناس عم قلك شبعانين , واللي ما بدنا ناكله رح تاكله الجقيل , بقا أحسن شي : عليهم .
    كانت المسافة طويلة بيننا وبين بيت مهنا اللي ساكنين بآخر ما عمر الله .
    وبين الأخد والعطا والتردد وصلنا إلى هناك قبيل العصر .
    لم يكن جامع عز الدين القسام قد بني بعد , وبالتالي فقد تسللنا إلى حديقة المنزل الكبيرة المكتظة بالأشجار دون أن يشعر أحد .
    كان القن ملاصقاً للمطبخ وصوت الراديو يأتي قوياً ومسموعاً , شعرنا بالخوف وأحسسنا بفداحة ما نقوم به , فأردنا العودة وإذا بدجاجة بلدية كبيرة لا تقوى على الحراك , ولا تبعد عن أيمن النحيل أكثر من مترين .
    انقض عليها بقفزة يعجز عنها أعظم حارس مرمى , وإذا بها بين يديه .
    خرجنا بهدوء – كما دخلنا – ونحن نقنع أنفسنا بصوابية ما فعلناه , فها هو الدجاج بالعشرات لا يلتفت اليه أحد , ولولا أخذنا هذه الدجاجة العجوز لماتت خلال يومين أو أكلها الجقل ( ابن آوى ) .
    اتجهنا نحو النقعة , وعند المرج الشهير هناك جمعنا بعض الحطب , ثم ذبحنا الدجاجة بالمقلوب بواسطة طبة تنكة صدئة مرمية هناك .
    كان الذي ذكّى الدجاجة ( ذبحها )هو محمد بعد أن أمسكناها له بطريقة فنية جعلتها لا تقوى على الحراك , ونحن نصيح به أن لا ينسى البسملة عليها كي يحل أكلها وإلا فهي حرام .
    نتفنا الدجاجة ريشة ريشة دون ماء ساخن .. ظلت بقايا الزغب عليها , لكننا لم نبال كثيراً بهذا , ثم شققنا جوفها بالتنكة ونظفناها جيداً و ... أشعلنا الحطب ووضعناها على النار .
    بدأت رائحة الشواء تزكم أنوفنا , لم ننتظر حتى تنضج كليةً فقد بلغ الجوع منا مأخذه , وهكذا صرنا نأكل الأجزاء المشوية جيداً ونقلبها ونعود لنأكل ما نضج حتى انتهت الدجاجة وراحت في خبر كان .
    كان المغرب قد اقترب فعدنا أدراجنا إلى البلد ونحن نقسم أن لا نكرر الموضوع ونعود للسرقة مجدداً مهما حصل .
    في اليوم التالي قادتنا خطانا المترددة إلى نفس المكان لتكرار التجربة .. أحضرنا زاغتين إضافة لبعض البيض .
    كانت النقعة بعيدة فقررنا طهي حصيلة الصيد عند سور مؤسسة الأسمنت .
    تغدينا يومها دجاجاً وبيضاً مشوياً ... وأقسمنا أنها خاتمة الانحراف .
    لكن الواقع كان غير هذا .
    صرنا نذهب كل يوم تقريباً , لم نعد نذبح الدجاج بالزجاج المكسور والتنك , بل أحضرنا سكيناً مفلولاً أكل الدهر عليه وشرب وبعض الثوم والزيت والملح وأخفيناهم جيداً بين الأعشاب عند حائط مؤسسة الشمنتو .
    كنا في كل مرة لا ننسى البسملة .. وكذلك لا ننسى أن نقسم بعد الشبع بألا نكرر الموضوع , لكننا سرعان ما نخلف بعهدنا .
    في المرة الأخيرة كانت زوجة عمار نجيب – التي رأتنا أكثر من مرة – قد أخبرت زوجها بالقصة , ويبدو أنه أو أحد أقارب زوجته قد قرروا وضع حد لغاراتنا المباركة تلك .
    كانوا يسكنون في منزلٍ صغيرٍ مقابلٍ تقريباً لسور حديقة بيت مهنا الخلفي ( في الشارع الذي ينتهي بمدرسة مهنا ) , حيث لم تكن حينها عمارته القبيحة المطلة على البحر قد انتهت بعد .
    صرخ علينا من بلكونه الصغير وهو يلوح بمسدسه ونحن نهم بالدخول فلذنا بالفرار .
    لم نعد بعدها قط .
    كنا نجهل من الذي لوح علينا بالمسدس , ثم علمنا أنه عمار نجيب ابن فاطمة مخلوف .. أبو سمير الذي قال لنا هذا أعقب بقوله أنه مشروع لص كبير كأخيه عاطف .
    عندما علمنا بهذا لم نستطع كثيراً فهم لعبه دور حامي العدالة أمامنا , ألم يكن من الأولى به التعاطف معنا كزملاء في المهنة , أم أن الحسد والغيرة من وجود منافسين محتملين له ولأقربائه في دولة البعث الممانعة هو ما دفعه للعب دور باتمان حينها .
    ..
    أخشى ما أخشاه أن يأتي علي جبر جديد بعد جيلين أو ثلاثة ليخاطب أحفادي وأحفاد أيمن ومحمد ببوستات فيسبوكية مطنطنة تبدأ بعبارة : يا أحفاد سارقي الجيجات .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق