06‏/01‏/2013

حديدي وحديدي كشّه

من خبايا ذاكرة المدينة القديمة  
  1. ..
    في أحد أيام ربيع 1935 فجعت جبله بأحد أكثر شبابها الواعدين نشاطاً وكاريزما محببة عندما غيّب الموت ذلك الشاب الوسيم المثقف المتزن محمود نعنوع .
    ... كان محمود أحد المسلمين الغيورين بدون تزمت , ممن يرون أن محاربة الاستعمار الفرنسي لا تكون إلا عبر خلق وعي جماعي وثقافة مؤصلّة متاحة للجميع بمن فيهم أولئك الكارهين للكتاتيب والمدارس

    الموروثة من العصملّي .
    تفتق عقله الموهوب على استشراف التجربة الكشفية التي كانت في أوجها حينها .
    كانت جمعيتا الكشاف المسلم والمسيحي هما السمة المميزة لمثقفي لبنان في تلك الفترة , ويعلم الله وحده كيف استطاع ابن جبلة - الذي لم يبلغ ربيعه العشرين - إقناع المرحوم محي الدين النصولي رئيس جمعية الكشاف المسلم في لبنان بنقل هذه التجربة إلى سورية عبر جبلة تحديداً , وكيف استطاع كذلك إقناع الوجيه راغب أفندي علي أديب بتبني الخطوة والإنفاق عليها ..
    .
    وهكذا نشأت في جبلة تجربة من أكثر التجارب الجماعية خصوبة وجمالاً .
    خصص الوجيه الغني نادياً رحباً كمقر للجمعية يقع في الحارة المقابلة لحارة المصبنة (( تحول المقر فيما بعد إلى منزل تسكنه حالياً أرملة وأولاد المرحوم " أبو " لواء المورللي )) .
    كان الجراميز ( الكشافة الصغار ) يملؤن الحارة الضيقة نشاطاً وحيوية ... أما الكبار ( الحديديون الأصليون ) فكانوا يقطعون الوقت بكل ما هو مفيد من تدريبات على الدفاع المدني وأمسيات شعرية وقصصية وخطابة .
    استشرفت عائلة غلاونجي الغنية والمنافسة لعائلة علي أديب التجربة وأسست كشافة ( الحديدي كشة ) أي الذين ينتسبون دون أن يدفعوا رسوم تسجيل , وذلك كخطوة لجذب المريدين , كانت السجالات الفكرية والبدنية بين الطرفين حالة شبه دائمة والغلبة على الدوام للحديدي الأصلي ...
    خطف الموت المبكر رائد هذه الحركة التي لم تلبث أن اضمحلت بعده حتى تلاشت , لكنها حفرت أثراً واضحاً في الذاكرة الجماعية للمدينة .

    شيع الفقيد إلى مثواه الأخير بجنازة كشفية مهيبة ..
    لقد بقيت مراسم تشييع الشاب محمود عالقة في ذاكرة الأحياء ممن عاصروها , والذين يقسمون أنهم لم يشهدوا جنازة مثلها قط طيلة حياتهم .
    ========
    بقى أن نعرف أن الراحل محمود هو شقيق المرحوم مصطفى ( أبو سمير ) والحاج سعد الله ( أبو عبد السلام ) والمرحوم خالد ( أبو لؤي ) نعنوع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق