05‏/01‏/2013

أيهم وعلبة الأمبولات



..
الفصل الثاني من العام الدراسي 1991 - 1992 كان في منتصفه .. الانقلاب الربيعي في بدايته أو كاد .
كانت الشعبة الثالثة من الصف العاشر في ثانوية محمد سعيد يونس هى الشعبة المدللة .. فمعنا في الصف اثنان من آل مخلوف أحدهما حافظ ابن حبيب مخلوف من زوجته الثانية , وهو ابن عم اللص رامي والثاني ابن " أبو مهيد مخلوف " وهو مخلوفي ع البيعة , إضافة لعدد لا يستهان به من أولاد الأثرياء السنة والفستيك , ولا أدري كيف جاء بي حظي لأكون بينهم .

..
كان ناصر ابن العز والأكابر يسافر مع أهله على الدوام إلى أوروبا , أخته تزوجت من دبلوماسي يعمل في السفارة السورية بلندن فسافر مع أهله في عطلة الربيع إلى هناك لحضور العرس وأطالوا المقام شهراً إضافياً .


بدأ الفصل الدراسي الثاني ثم بدأت بعد شهر منه المذاكرات ولم يعد ناصر ... وفي يوم ربيعي مشمس بارد شرّف إلى الصف مع أبيه والموجه بعد بدء الحصة الثانية ..
أهلين .. الحمد لله ع السلامة .. بدأنا بالحديث معه بهمس وأستاذ العلوم نصف الأجدب يشرح الدرس ..
.
-
بتحبوا تعطلوا وتروحوا ع البيت " بادرنا ناصر بالقول " .
-
شو ما منحب .. لك ايدنا بزنارك .
-
بدنا شي قبضاي يفقع هيدي بالصف وأخرج أمبولة تشبه الحقن الطبية من جيبه , لونها عسلي فيميه .
-
شو هيدي ؟؟ قنبلة ؟؟
-
لك شو قنبلة .. هيدي ابرة فسي (( فساء )) " يرد على أسئلتنا الهامسة المتلاحقة " .
-
شو فسه ؟ هلئ بفسوة بدهم يخلونا نعطل ... شو هالجلطة لك ناصر " أبادر بالرد " .
-
هنت ولَك ابن نور الدين بدك تضل حامل السلم بالعرض , خود فقعها وشوف .
-
هات ... " كنت جالساً في المقعد قبل الأخير و ناصر أمامي , أمسكت الأمبولة وضربتها بالأرض , صوت مكتوم ضعيف تبعته رائحة خفيفة تشبه رائحة البيض المسلوق .. الرائحة أتفه من أن يعبأ بها ...... لك شو هالفسوة الأوربية الناعمة " بدأنا بالسخرية " ... ناصر معك غيرها ..
-
معي علبة ونص .
-
هات لنشوف .... مد يديه لجيوبه وبدأ يخرج عدداً يكاد لا ينتهي من الأمبولات , وكلما أعطاني واحدة أضربها أرضاً حتى انتهت كلها .
في هذه الفترة كانت الرائحة قد تنامت بشكل لا يمكن السكوت عنه , ثم أصبحت لا تطاق .. وقف الأستاذ فجأة ثم تلفت ببطئ وهو يحرك خديه وشفتيه وأنفه بنفس طريقة بدري بيك أبو كلبشه : ثم ينفجر صائحاً :: ولاه .. مين فشكا عند هالصبح .... اففففف , افتحوا الشبابيك , لعما لهل قلة الأدب , هيك ربوكم أهاليكم .
كانت الرائحة في هذه الفترة ما تزال تتصاعد وتتزايد .. بدأت أعيننا تدمع وشعر بعضنا بالغثيان , وبدأت الكحات المكتومة من الجميع ثم تحولت الى نوبات لا تتوقف من السعال المشوب بالقيء الواقف في الحلق .
طلعوا كلكم لبره .. " صرخ الأستاذ بنا وهو يهرب من الصف " ... خرجنا لا نلوي على شيء ... بس القبضاي يرجع يجيب الكتب ..
جاء الموجه ثم المدير وبعض الأساتذة المتفلسفين لكن أكثرهم تحملاً لم يستطع الاقتراب من الباب .. المصيبة أن الرائحة قد بدأت تزداد لتدخل الصفوف الأخرى ... وخلال نصف الساعة التي تلت لم تعد أي شعبة في الطابق تقوى على البقاء في مقاعدها .. خرج الجميع وساد الهرج والمرج .
بدأت التحقيقات على الفور .. كان ناصر شهماً , ولم يشأ اقحامي بالموضوع , فقال للمدير أنه أحضر معه ابرة فساء من اوروبا وانفجرت دونما قصد في الصف ( لم يعترف سوى بإبرة واحدة ) , صرخ عليه المدير : ولك لا تكذب , متقول انك مفقع ابرة فسي .. ولك ع ذمتي هاد معمل فسي ...
لكنه لم يجرؤ على ضربه خشية أبيه المتنفذ المدعوم الذي حضر في اليوم التالي وطيب خاطر المدير بكام ليرة ( على ذمة ناصر ) لكن الدراسة بالصف توقفت لأكثر من ثلاثة أيام , وعندما عدنا في اليوم الرابع ظلت رائحة الفساء تلاحقنا لأكثر من شهر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق